مُسَلـمــــات في
معركة الفرقان
( غــــــزة )
إعداد الشيخ محمد جندية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين. اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا؛ وزدنا علما وعملا وفقهاً في الدين وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أما بعد؛
فإنه من توفيق الله عز وجل لعبده أن يرى الحق حقا ًثم يرزقه اتباع هذا الحق؛ وأن يرى الباطل باطلا ً وأن يرزقه اجتنابه.
وإننا نعيش في زمن اختلطت فيه المفاهيم عند الناس وتبدلت عندهم القيم وخلط بعضهم الحق بالباطل عمدا ً عن خبث نية أو جهلا ً. حتى اختلط على بعض المسلمين الحق بالباطل في قضية الصراع الإسرائيلي الإسلامي أو قضية العداء لليهود. وحتى وصل الأمر إلى التشكيك بمصداقية الجهاد والإستشهاد ؛ وإلقاء اللوم على من يجاهد اليهود بهدف تحرير الأرض واتهامهم بتهم شتى.
ظهر ذلك جليا ً في الحرب الإسرائلية على غزة والتي بدأت في 27-12-2008
وانتهت في 18-1-2009
فأردت أن أبين بعض المسلمات الشرعية المتعلقة بهذه القضية؛ علّي أنال بذلك أجر "الجهاد الكبير" الوارد في قوله عزوجل وجاهدهم به جهادا ً كبيرا [ الفرقان 52 ] أي بالقرآن الكريم.
والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين
محمــــد جنديـــة
31-1-2009
تـــمــهيـــــــد:
1- لقد أرسل الله عز وجل رسوله بدين الإسلام إلى الناس كافة ليبلغهم دين الله تعالى، فبلّغهم الدين كلّه لم يُخفِ منه شيئا ً ؛ بلّغهم حقيقة الدين؛ وأوضح لهم حقيقة الطريق وما ينتظرهم.
وأعلن القرآن الكريم صراحة أنه لن يُِكرَه أحد على الدخول في الدين مرغما ً فــ لا إكراه في الدين [البقرة 256[ وعليه فمن الناس من دخل الدين مختاراً راضيا ً مؤمنا ً به، ومنهم من رفض الدين وكفر به وأنكره ، ومنهم من جمع إلى الكفر العداوة للدين وللمتبعين له.
2- ثم أمر الله تعالى بمباينة الكفار وإن كانوا آباءً أو إخوانا ً؛ ونهى عن موالاتهم إن اختاروا الكفر على الإيمان( ) فقال يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون [التوبة 23[ فلا يمكن أن يكون الإيمان كاملا ً أو بناء الإسلام قويا ً إلاّ أن يكون الإنتماء كله لله؛ انتماء فوق انتماء النسب(2).
3- وبين في سورة المجادلة أن موالاة الكفار ليست من شأن المسلم فقال تعالى
لا تجد قوما ً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم... [المجادلة 22[ .
فلا بد إذا ً من الكفر بالكفر فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى [البقرة 256[ فالقرابة المعتبرة شرعا ً هي قرابة الدين لا قرابة البدن.
قال الفخر الرازي:" هذه الآية تدل على إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا. (4)
4 - لا بد لمن اختار الدخول في هذا الدين أن يقدم محبة الله ورسوله على كل شيء قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين [التوبة24[.
ولا يخفى أن محبة هذه المذكورات الثمانية يتردد بين الوجوب والإباحة؛ ومع ذلك فقد توعد الله عزّ وجل من قدّم محبتها على محبة الله والرسول والجهاد بقوله " فتربصوا " وأشار أنه لا يفعل ذلك إلا فاسق. والفسق لازم من لوازم الكفر ونتيجة له؛ فكأن تقديم محبة واحدة من هذه الأصناف الثمانية على محبة الله والرسول والجهاد كبيرة من الكبائر أو يؤدي إلى الكفر.
فمحبة الإيمان (الله والرسول والإسلام) تجبُ كل محبة وفي الحديث عن النبي : لا يُطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب في الله تعالى ويبغض في الله تعالى حتى يحب في الله سبحانه وتعالى أبعد الناس ويبغض في الله عز وجل أقرب الناس (5)
وعن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم ثلاث مقاعد قعد له في طريق الإسلام فقال لم تذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه وأسلم وقعد له في طريق الهجرة فقال له أتذر مالك وأهلك؟ فخالفه وهاجر ثم قعد له في طريق الجهاد فقال له تجاهد فتقتل فينكح أهلك ويقسم مالك؟ فخالفه وجاهد فحق على الله أن يدخله الجنة
رواه النسائي
ولعل المراد من محبة الله والرسول في الآية: طريق الإسلام.
4 تفسير الفخر الرازي ( 16-19) 5 تفسير الألوسي (10-105)
بيعة العقبة الثانية ( وضوح المنهج والطريق)
في موسم الحج من السنة الثالثة من البعثة اجتمع النبي بوفد من أهل يثرب في منى أوسط أيام التشريق... وكانت بيعة العقبة الثانية وفيها أن الوفد سأل النبي : على ما نبايعك؟ قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم (6)؛ وقبل تمام البيعة قام اثنان من الوفد ليؤكدا للوفد خطورة ما هم مقدمون عليه حتى لا يبايعوا إلا على جلية من الأمر فقام العباس بن نضلة وقال :" هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟" قالوا نعم قال:" إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس؛ فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا ً أسلمتموه فمن الآن. فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والاخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة "
قالوا : " إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟" فقال الرسول كلمة واحدة: الجـنــــــــــــــة
فلما قاموا ليبايعوا أخذ أسعد بن زرارة بيد الرسول وقال : " رويدا ً يا أهل يثرب... إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة؛ وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف..." فقالوا " يا أسعد ... فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها" (7).
وبجواب النبي " الجنة " بيّن لهم أنه لا مناصب لهم ؛ لا ثروة ؛ لا سلطة ؛ لا شهرة أو وسائل إعلام ، ولم يخدعهم أبدا ً بل بيّن لهم أنّ العرب سترميهم عن قوس واحدة وهذا ما أكده أبيّ بن كعب رضي الله عنه بقوله:"لما قدم رسول الله المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه" (
.
وبوضوح هذا المنهج يسهل على أحدهم اختيار الطريق على وضوح وبيّنة وهو
يعلم ما ينتظره في هذا الطريق، فمن اختار طريق – الله الرسول الجهاد – فعليه
6 لمراجعة بنود البيعة ينظر: الرحيق المختوم / صفي الرحمن المباركفوري هامش ص178
7 الرحيق المختوم / المباركفوري ص176 وما بعدها 8 الرحيق المختوم ص 232
أن يتحمل تبعات الطريق من تعب ونصب ؛ وتضييق وحرمان ؛ وألم وتضحية ؛ وجراح واستشهاد(9) .
عليه أن يدرك أن هذا الطريق محفوف بمخاطر عظام : بيوت تهدم فوق رؤوس ساكنيها؛ مساجد تدمر ؛ بنية تحتية تخرب ؛ تآمر المنافقين ؛ خذلان المتخاذلين ؛ إلى غير ذلك.
ومعلوم أن من أراد الوصول إلى هدف عليه أن يدفع ثمن الطريق وإلا لم يصل، كالطالب أيام الإمتحان يترك أهله عاكفين على التلفاز ويترك أصحابه يسهرون على ما يسر ويمتع وينفرد هو بكتبه ودفاتره: سهر وتعب ونصب وقلة نوم وألم عين و...
فهل يمكن تسمية ما يفعله هذا الطالب بنفسه تعذيبا ً للذات ؟!!! أم أن لذة النجاح غدا ً ستنسي كل ألم؟
وإنِِ لم يخترالمرء هذاالطريق – الله الرسول الجهاد- أو رفض تحمل تبعاته فلا إكراه في الدين؛ بإمكانه اختيار الطريق الآخر طريق السلطة ؛ طريق المفاوضات ؛ طريق مسايرة العدو؛ طريق الحرص على تحصيل المكاسب العاجلة فيكون له شبه دولة ؛ ويكون له شهرة ووسائل إعلام تغطي تحركاته ؛ وأموال ويكتسب صفة الشرعية الدولية؛ وسينادي العدو به ليمسك السلطة والأمن ؛ ولن يهدم له بيت ؛ أو يسقط له شهيد ولكن
ماذا بعد؟
لا شيء فـ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [هود 15-16]
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما ً مدحورا ً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً [الإسراء 18 ]
9 في ظلال القرآن / سيد قطب ( 3- 1615)
حقـــــيــــقة الدنـــــــــيا:
إن عمارة الدنيا بكل ما فيها من متع وشهوات ومكاسب قد تكون سببا ً في التمسك بها والتخلي أو التخاذل عن القضية الأكبر- الله الرسول الجهاد –
إذ لا يستقيم أمر الدنيا مع هذه القضية ولا بد من التضحية بها في سبيل هذه القضية إحياءً لشرع الله في الأرض وإعمارا ً لها؛ وبناءً للآخرة.
ولذا أردت أن أذكّر نفسي وإخواني بحقيقة الدنيا حتى لا تكون عائقا ً أو مؤخرا ً عن اللحاق بركب – الله والرسول والجهاد -.
في القرآن الكريم 111 موضعا ً تظهر الدنيا على حقيقتها؛ كما أن النصوص النبوية جاءت لتؤكد ما جاء عنها في الكتاب العزيز.
قـــــــــــــــــال تعـــــــــــالى:
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [الحديد 20]
يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور [فاطر :5]
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب [ آل عمران 14]
وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون [الأنعام 32 ]
وما هذ الحياة الدنيا إلا لهو و لعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [العنكبوت 64]
وفي الحديث قال رسول الله : الدنيا متاع... (10)
10 رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو ؛ كتاب الرضاع باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة
وقال : والذي نفسي بيده لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه
ذات يوم يدخل عمر على الرسول فيراه مضطجعا ً على حصير قد أثر فيه فدمعت عين عمر. قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قال: " يا رسول الله كسرى وقيصر وهم أعداء الله فيما تعلم وأنت رسول الله وحبيب الله وأنت في هذه الحالة؟ " فيقول الرسول : أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا وتكون لنا الآخرة؟ رواه البخاري
ففي هذه النصوص إظهار لحقيقة الدنيا التي ينبغي ألا يخدع بها مؤمن فهي متاع يأتي عليه الفناء ؛ وتخدع الإنسان بما فيها من شهوات فهي ليست للإستقرار ولا تدوم.
وهذا من شأنه أن يدفع المؤمن ليجعل الدنيا في يديه لأنها ستتركه أو يتركها ، فإن كانت في يده بذلها بلا عناء أو حسرة مضحيا ً بها في سبيل الله ليشتري بها الآخرة:
إذا هدمت فزدها أنت هدما ً وحصن أمر دينك ما استطعت
طــبيـعــــــــة الآخـــــــرة:
أمــــــّـــــــا الآخرة:
فتدوم ولا تفنى ... وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [العنكبوت 64]
ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة [ الروم 55]
الآخرة خير من الدنيا وللآخرة خير لك من الآولى} [الضحى 4]
وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون [ الأنعام 32]
نعيم الآخرة أعظم من نعيم الدنيا ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون [النحل 41]
وفي الحديث " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرؤوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم وظل ممدود وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها واقرؤوا إن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (11)
وقال رسول الله : يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار فيقال اغمسوه في النار غمسة فيغمس فيها ثم يقال له: أي فلان هل أصابك نعيم قط؟ فيقول : لا ما أصابني نعيم قط ؛ ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا ً أو بلاءً فيقال اغمسوه غمسة فيغمس فيقال له: أي فلان هل أصابك ضر قط أو بلاء؟ فيقول " ما أصابني قط ضر ولا بلاء ( 12) فعذاب الآخرة أنساه كل نعيم؛ ونعيم الجنة أنساه كل شقا.
هذه النصوص تدفع المسلم ليستزيد من الأعمال الصالـحـــــــة والحرص على الآخـــــــرة.
11 رواه الترمذي؛ كتاب تفسير القرآن عن رسول الله؛ باب ومن سورة الواقعة 12رواه ابن ماجه عن أنس؛ كتاب الزهد باب صفة النار
كلُّ من عليها فان:
لقد كتب الله سبحانه الموت على كل مخلوق فقال سبحانه كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ الرحمن 26- 27]
وقال قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم [ الجمعة 8] ، أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة [ النساء 78] . فلا ينجو من الموت مخلوق ولو نجا منه أحد لخُصَّ بذلك رسول الله أكرم الخلق على الله وأحبهم إليه ولكن الله تعالى خاطبه بقوله إنك ميت وإنهم ميتون [ الزمر 30] . فهذه الحقيقة الآولى التي يؤمن بها كل مسلم0
الحقيقة الثانية: موعد الموت بيد الله عزوجل لا يتقدم ولا يتأخر ؛ قال تعالى
ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [ الأعراف 34]
نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين [ الواقعة 60]
عن ابن مسعود قال :" قالت أم حبيبة زوج النبي اللهم أمتعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية." قال النبي : لقد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة. لن يعجِّل شيئاً قبل حله أو يؤخر شيئاً عن حله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر لكان خيرا ً وأفضل. (13)
الحقيقة الثالثة: مكان الموت لا يعلمه ولا يحدده إلا الله عزوجل لقوله إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [ لقمان 34].
13 أخرجه مسلم 2663
ويترتب على هذه الحقائق:
أ- أنه لا بد من الموت إذ لامفر منه؛ فمن لم يقتل مات ولئن قتلتم في سبيل الله
أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لئلى الله تحشرون
[ آل عمران 158] ، فإما قتل وإما موت والنتيجة واحدة انقطاع عن الدنيا.
من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد
ب – موعد ومكان الموت لا يتغير ولا يتبدل، فسواء وجد المرء في غزة أو في غيرها في العام 2008 أو 2009 أو في غيرهما فإنه سيموت؛ وسواء كان للموت سبب
– رصاصة أو قذيفة – أو لم يكن ثمة سبب فإن الأجل لا يتغير يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزىً لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير [ آل عمران 156]
فضل الشهادة في سبيل الله:
إن النصوص الواردة في الشهادة وفضلها وفي النعيم المترتب عليها كافية ليرغب بها المسلم ويدرك عظمتها وقدرها؛ فمن ذلك قوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً بل أحياء عند ربهم يرزقون... [ آل عمران 169]
ولو لم تكن الشهادة أمرا ً مهما ً ما كانت حلم الأنبياء والذي نفس محمد بيده وددت أن أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا ثم أقتل؛ ُثم أحيا ثم أقتل. ( 14)
ولما تمنى الشهيد العودة إلى الدنيا ليذوق حلاوتها مرة أخرى ففي الحديث ما من أحد يموت ثم يتمنى أن يعود إلى الدنيا فيقتل عشر مرات إلا الشهيد لما يجد من حلاوة الشهادة.
أما حلاوة الشهادة فيوضحها الرسول بقوله: للشهيد عند ربه ست خصال؛ يغفر له عند أول دفعة من دمه ؛ ويرى مقعده من الجنة ؛ ويجار من عذاب القبر؛ ويأمن من الفزع الأكبر ؛ ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ؛ ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ؛ ويشفع في سبعين من أقاربه ( 15)
فإذا كان لا بد من الموت فلنختر لأنفسنا ولندع الله تعالى حينما يأتي الأجل أن تكون موتاتنا مشرفة؛ أن تكون شهادة في سبيل الله. وإن الأمّة التي لا تجيد صناعة الموت لا توهب لها الحياة ، ولكأني بالشهداء سلسلة يمسكون بأيدي بعض من أول شهيد إلى آخر شهيد يوم القيامة مفتخرين - وهم يدخلون الجنة – بما بذلوه لله من دماء وبما قدموه للأمة من عز وفخر؛ ولكأني بمن يدخل معهم الجنة يغبطونهم على ما هم فيه لعلو شأنهم ولما وعدهم الله من أجر الشهادة في سبيله.
14 رواه البخاري ؛ كتاب التمني؛ باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة 15 أخرجه الترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معدي كرب
هل يجوز قتـــال اليهود في فلسطين
كان اليهود متفرقون في الأرض ينتمون إلى دول شتى فأرادوا أن يقيموا لهم دولة قومية خاصة بهم وكان على رأس هذه الفكرة مؤسس الحركة الصهيونية المغضوب عليه تيودور هرتزل الذي عقد مؤتمرا ً في بازل سويسرا 1897 وبيّن فيه أنّه لا بد من إقامة وطن قومي لليهود؛ ولكن أين؟ تم اقتراح عدة أقطار في أفريقيا وأمريكا الشمالية وموزمبيق والكنغو والأرجنتين كما رشحت قبرص وسيناء وأوغندا ثم استقر الرأي على إقامة دولة لليهود في فلسطين وعاصمتها القدس (16)
وجاء وعد بلفور المشؤوم - وزير الخارجية البريطانية – عام 1917 ليعطي ما لا يملك من لا يستحق، وبدأ السعي لذلك بانتداب بريطانيا لحكم فلسطين تمهيداً لتسليمها لليهود.
وبناءً عليه بدأت هجرة اليهود إلى فلسطين فقتلوا ودمروا ؛ هجّروا وشرّدوا ؛ سلبوا وسرقوا ؛ واغتصبوا الأرض وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار ؛ والعنف والدم.
وعليه فإن اليهود لو لم يقاتلوا أو يدمروا فإنه من الواجب - وليس من الجائز - على أصحاب الأرض أن يطردوا هذا المحتل عن بلادهم لا إلى حدود 67 بل لتعود الأرض إلى أصحابها لأن عدوان 67 لا يضفي شرعية على عدوان 48، وستظل المعركة قائمة ما دامت أسبابها قائمة.
ولأنّ أصحاب الأرض مسلمين وجب على كل المسلمين أن يهبوا لنصرة إخوانهم المظلومين المستضعفين كما هو معروف في الفقه الإسلامي.(17)
ولا يحق لأحد أن يتنازل عن الأرض أو يفاوض عليها لأنها أرض للمسلمين ولست ملكاً خاصاً. (18)
16 ينظر مناقشة ذلك في : القدس قضية كل مسلم / د. القرضاوي ص 44-45 18 القدس قضية كل مسلم / د. القرضاوي ص 41-42
17 لمراجعة التفاصيل الفقهية : كتاب الجهاد والقتال في السياسة الشرعية/ د. محمد خير هيكل (1-636) وما بعدها
هل يعتبر القتال ضد اليهود جهادا ً في سبيل الله
وحيث أن فلسطين أرض للمسلمين وهدف قتال اليهود إعادة الأرض إلى أصحابها؛ وحيث إن كل معركة يدخلها المسلم للدفاع عن حق أو لمقاومة باطل
أو للثورة على ظلم هي معركة دينية (19) وبالتالي فالعدوان على المسلمين هو السبب الأول لوجوب إعلان الجهاد (20) قال تعالى: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا
[الحج 39] ؛ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [البقرة 194] ؛
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم [البقرة 160].
ومن الأدلة في السنة العملية فعله في قتال الكفار ردا ً على عدوانهم كما في أحد والخندق وتبوك (21).
ويترتب على كون القتال ضد اليهود جهادا ً في سبيل الله أن مَن يُقتل بأيدي الأعداء يُقتل شهيدا ً في سبيل الله وذلك لحديث النبي : من قتل دون ماله فهو شهيد ؛ ومن قتل دون دمه فهو شهيد ؛ ومن قتل دون دينه فهو شهيد ؛ ومن قتل دون أهله فهو شهيد (22) ولقوله : من قتل دون مظلمة فهو شهيد (23).
19 القدس قضية كل مسلم ص 42 21 المزيد من الأدلة في الجهاد والقتال/ د. محمد هيكل (1-612) (1-626) (1-631)
20 الجهاد والقتال / د. محمد خير هيكل ( 1-607) 22 رواه الترمذي وأبو داوود والنسائي عن سعيد بن زيد
23 رواه النسائي عن سويد بن مقرن
شبهــــــات والــــــرد عليهــــــــا:
يحاول البعض أن يثير حول قضية عداوة اليهود وطبيعة المعركة شبهات إما جهلاً أو كيداً وتآمراً، أمّا الجاهل فالواجب إرشاده وتعليمه وأمّا المتآمر فالواجب منعه لقول الرسول : انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما ً...الحديث
وفيما يلي رد على بعض الشبهات؛
الشبهة الأولى: القضية ليست قضيتنا بل هي شأن فلسطيني داخلي ولا دخل لنا بما يجري هناك :
وهنا يقول د. القرضاوي : إن فلسطين ليست ملك الفلسطنيين وحدهم .. إنها ملك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وليست ملك هذا الجيل وحده بل ملك الأجيال الإسلامية إلى أن تقوم الساعة. فإذا وهن الفلسطنيون أو طائفة منهم لما أصابهم من لأواء وضعفوا واستكانوا فواجب المسلمين في كل مكان أن يهبوا لإنقاذ القدس فريضة من الله (24)
ولذلك ينبغي أن نحمد الله تعالى لأن هناك جهادا ً ومقاومة في فلسطين يقاتلون المحتل ؛ ولولا وجود هذه المقاومة لانطبق علينا قوله تعالى:
وإن تتولوا يستبدل قوما ً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [ محمد 38] ولكم رفع المسلمون أيديهم يدعون ربهم: ( اللهم استعملنا ولا تستبدلنا )
ولو تخلى الفلسطينيون عن فلسطين فلا يجوز للمسلمين أن يتخلوا عنها ؛ ولنفرض مثلاً أن المملكة قررت إعادة المدينة لليهود أو قررت وهب مكة
– المسجد الحرام – لجهة ما فهل يجوز لها ذلك؟؟!!
الشبهة الثانية: إن الفلسطنيين أضعفوا أنفسهم بالإنقسام الداخلي وخانوا وقتلوا بعضهم.
19 القدس قضية كل مسلم / د. القرضاوي ص 142
لقد حدث مثل هذا في عهد الرسول فيوم خرج من المدينة مع أصحابه إلى أحد لمواجهة قريش رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، ويوم الخندق كان يشكك بمصداقية الرسول فيقول : " كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط"(25) حتى أشار بعضهم على النبي أن يقتلهم فقال: أخشى أن يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه .
هؤلاء بالمصطلح الشرعي منافقون ولهم صولات وجولات وقد آذوا هذا الدين وأهله كثيرا ً على مر التاريخ ، ولقد صبرت حماس عليهم طويلاً وطالبت رئيس السلطة بوقف هؤلاء ولكن دون جدوى ، وكثرت الإعتقالات بسببهم وقتل البعض وكانت محاولات لاغتيال بعض القادة وعلى رأسهم رئيس الحكومة اسماعيل هنية (26) ثم قررت حماس – كونها السلطة التنفيذية الشرعية - التخلص منهم في يونيو 2006
فهؤلاء لا يُبكى عليهم فهم منافقون ، آذوا القضية الفلسطينية كثيرا ً وخدموا اليهود طويلا ً وبتصفيتهم في غزة انتهى عهد اغتيال قادة حماس.
الشبهة الثالثة: إن حماس ليس لها صفة شرعية بل انقلبت على السلطة الشرعية.
وهنا يتناسى البعض أن حماس هي السلطة الشرعية التي تم انتخابها من قبل الشعب وبإشراف دولي وأن الانقلاب جاء من الطرف الآخر الذي رفض المشاركة في حكومة وحدة وطنية والذي يمده العدو بشرعية تؤمَّن معها مصالحه.
وخلال العدوان على غزة لم يُلحظ رجل أو امرأة أو طفل عبر الشاشات يتذمر من حماس مما يؤكد استمرار شرعيتها – على الأقل داخل غزة – .
25 القدس الرحيق المختوم / المباركفوري ص 373
26 يمكن مراجعة ما كتبه محمد عليوة في شبكة الأخبار العربية في 17-2-2009 بعنوان: حماس في مرمى صواريخ الإعلام الرسمي العربي؛ أو المركز الفلسطيني للإعلام
ثم إن استشهاد بعض قادة المجاهدين في غزة وبساطة بيوتهم وانعدام أرصدتهم أدلة على أن هؤلاء لا يريدون دنيا ولا نزكي على الله أحداً؛ بينما يعيش غيرهم الترف والتبذير حتى وصل ثمن حذاء رئيسهم إلى عشرين ألف يورو.
الشبهة الرابعة: الحق على حماس وفصائل المقاومة لأنهم يطلقون الصواريخ على اليهود ؛ فهم من أشعل فتيل الحرب وأطلق البركان وجروا على أنفسهم الويلات ؛ ولذا فإنهم يتحملون مسؤولية كل ما جرى في غزة لعلمهم بتفوق إسرائيل العسكري عليهم وبالتالي ألقوا بأنفسهم وبالشعب الفلسطيني إلى التهلكة.
وهنا ألفت النظر إلى أنه من الواجب شرعا ً على أهل فلسطين وليس على حماس فقط قتال اليهود في فلسطين فقتالهم فرض عين حتى تتحرر فلسطين منهم وقد تقدم بيان ذلك.
ثم إن الصواريخ لم تضرب على دولة صاحبة أرض بل على كيان محتل غاصب للأرض؛ فإذا لم يستطع أهل فلسطين دفع اليهود عنها تحمل كل المسلمين معهم هذا الواجب كما هو معروف في كتب الفقه؛ قال الإمام الجصاص رحمه الله تعالى: " ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم من المسلمين وهذا لاخلاف فيه بين الأمة إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم " .
ثم إن قادة العدو أكدوا أن هذه الحرب قد أعد لها منذ ستة أشهر أي منذ إعلان التهدئة بن حماس وإسرائيل، فسواء أطلقت الصواريخ أم لم تطلق فالحرب ستشن ولم يعد يخفى على كل ذي بصر تذرع إسرائيل بأسباب وهمية لتشن حربها ولتفعل ما تشاء.
الشبهة الخامسة: يجب على حماس أن تقبل بالتهدئة الطويلة حرصا ً على أرواح الناس.
وهنا قبل أن أحيل القارىء الكريم إلى كتاب الله عزوجل ليطلع منه على دأب اليهود في نقض العهود والمواثيق حتى مع الأنبياء ؛ أقول إن حماس اختارت أن تنبع خياراتها من الإسلام وحكم الإسلام واضح إذا اعتدي على أرض إسلامية.
ثم إن التهدئة معناها أن يتوقف كل طرف عن محاربة الطرف الآخر وهذا يعني أنه إذا لم يلتزم أحد الطرفين بشروط التهدئة فإن القتال سيستمر.
وهذا ما حدث فقد اخترقت إسرائيل التهدئة خلال ستة أشهر أكثر من 198 خرقا ً قتلت فيها أكثر من 70 شخصا ً وتسببت ب272 حالة وفاة لعدم توفر الدواء والعلاج0 وقذ أعدت حماس قائمة كاملة بالخروقات الإسرائلية أثناء التهدئة وما نتج عنها يمكن طلبها من موقع فلسطين الآن ، فهل المطلوب تهدئة مجانية يمتنع معها السعي إلى فك الحصار الذي يهدف إلى إبادة سكان غزة ؟!! أم أن الأمر كما قال خالد مشعل : " إن الشعب الفلسطيني إما أن يموت سريعا ً بقصف النار أو يموت بطيئا ً بالحصار "؟ فكيف نطالب حماس بالتهدئة – رغم أنها لم تخرقها ولا مرة - ولا نطالب العدو الإسرائيلي المحتل باحترام ما تم الإتفاق عليه ؟ وكيف نطالب حماس أن تقبل بالحصار وتجويع الشعب حتى يموت آخرهم ويرون الخروقات ويقفون متفرجين؟
الشبهة السادسة: إن وراء إسرائيل أمريكا ومن يحاربها يحارب أمريكا وهو ما لا طاقة لنا به فنحن لسنا ندا ً لهم فيجب العودة إلى المفاوضات.
لقد حسمت حماس والمقاومة خيارها " الله الرسول الجهاد " واختار غيرهم غير ذلك من ألوان المطامع واللذائذ ؛ هناك من اختار طريق مسايرة العدو لعله يُمنَح بعض الإمتيازات ، وعلى كل من الطرفين أن يتحمل نتائج اختياره ؛ قال تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ هود 15-16] وفي سورة الإسراء من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما ً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ً [ 18-19]
نعم كان بإمكان حماس أن تساوم وأن تختار ما اختار غيرها فيكون لها سلطة وشرعية دولية وأموال ومكاسب ويُعترف بها في المحافل لكنها حتما ً ستخسر الآخرة. وحماس ينبغي أن تكون على دراية وعلم بطبيعة الطريق الذي اختارته فمن رام هدفاً لا بد من أن يدفع ثمن الطريق وإلا لم يصل ، فطريق الجهاد يقتضي أن يتبعه تعب ونصب ؛ تضييق وحرمان ؛ ألم وتضحية ؛ جراح واستشهاد. (27)
الشبهة السابعة: إن حماس انفتحت على إيران مما أفقد الثقة بها.
وليتنا هنا نعود إلى الفقهاء والعلماء الربانيين نستفتيهم في حكم الشرع في هذا الشأن ونتجنب نحن الفتوى بغير علم.
ثم ألم يدخل النبي مكة لدى عودته من الطائف بجوار كافر - المطعم بن عدي - ؟ ألم يعقد النبي اتفاقات مع اليهود والنصارى والمشركين ؟ ألم يكن أبو بكر في صدر الدعوة في جوار ابن الدغنة واستغل ذلك لإسماع الناس كلام رب الناس ثم رد على ابن الدغنة جواره عندما لم يعجبه ذلك؟
ولو احتضنت المقاومة أم الدنيا أو أم القرى لأغنوهم عن التواصل مع إيران وهما ينفعان القضية أكثر من إيران. ومهما بلغ خبث أو سوء نية إيران فإن التفاوض معها يبقى أطهر من التعاون أو التفاوض مع قتلة الأنبياء.
27 في ظلال القرآن / سيد قطب (3-1651)
الشبهة الثامنة: إن حماس لم تنتصر في الحرب على غزة والدليل تفاقم عدد القتلى والدمار الكبير الذي أصاب القطاع.
وهنا لا بد من التأكيد على أنه من الخطأ تقييم المعركة بعدد الشهداء والبيوت المهدمة.
أمّا القتلى فليسوا سواء فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؛ ونحن
- باعتبارنا مسلمين – نؤمن أن الأجل بيد الله تعالى فهؤلاء الشهداء انتهى أجلهم ولكن الله أكرمهم فجعل موتاتهم شهادة ؛ ولو لم يكن ثمة حرب
أو قصف فإنهم سيموتون في نفس المكان والزمان ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [ الأعراف 34 ]
وأنا أتمنى أن يكون الإنسان متفائلا ً لا سوداوي الرؤية؛ ولو نظرنا إلى ما حدث نظرة قرآنية إيمانية لعلمنا أن النصر له ثمن وتحرير الأرض له ثمن والثمن باهظ جدا ً ؛ فالفرنجة بقوا في هذه البلاد 90 سنة وصل فيها الدم إلى الركب.
وماذا بعـــــــــد لقد رحلوا ....
في أفغانستان سقط مليون ونصف شهيد خلال عشر سنوات حتى طردوا الروس عن أرضهم
الجزائر قدمت خلال 130 سنة 6مليون شهيد ، بل إن الذين قتلوا في حروب باطلة ولأجل قضايا غير محقة كثر أيضا ً
فالإتحاد السوفياتي قتل 20 مليون مسلم حتى أرسى قواعد الشيوعية الكفرية
في الحرب العالمية الآولى قتل 5 مليون إنسان ؛ وفي الثانية 55 مليون.
وماذا عمن ماتوا ويموتون بحوادث طبيعية ؟
في زلزال بام سقط 55 ألفا ً في عشر ثوان
في تسونامي 85 ألفا ً ؛ زلزال تركيا... زلزال مصر...
بل مات في زيمبابوي من آب 2008 ← ك2 2009 (1500) بمرض الكوليرا.
أمّا البيوت المهدمة فلا أحد ينكر أنّ إسرائيل تمتلك قوة تدمير هائلة تمثلت بتدمير 25 ألف بيت وحوالي 100 مسجد ؛ ومن يتابع الإحصائيات من خلال الإعلام أو الإنترنت يرى ويسمع أمورا ً مهولة ولكن الله عز وجل أراد لكل ذلك أن يحصل إذ كان بالإمكان حسم المعركة بكلمة ؛ قال تعالى ذلك ولو يشاء الله لأنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ محمد: 4] . وعلينا أن نتذكر أن الصراع ليس على جزئيات بل على كليات وعلى مشروع وعلى إرادة.
والواقع يقول إن الأهداف المعلنة على غزة لم تتحقق : فالصواريخ لم تتوقف وغزة لم تسقط وأهلها لم يهاجروا ؛ ولم تعترف حماس أو غيرها من فصائل المقاومة بإسرائيل. بل لم يستشهد مجاهد واحد في غزة في الخطوط الأمامية أثناء المواجهة بل سقطوا أثناء القصف الجوي للخطوط الخلفية.
نعم إن البعض يسخر من القضية كلها ويتمنى أن تنتصر إسرائيل رغم أن بعض كتاب إسرائيل يقولون غير ذلك فقد كتب جدعون ليفي في هآرتس 23-1-2009 قائلاً : " بعد عودة آخر الجنود من غزة إلى البيت يمكن أن نجزم بيقين أنهم خرجوا إلى هناك عبثا ً. ففي هذه الحرب فشلت إسرائيل فشلا ً ذريعا ً. ليس الحديث فقط عن الفشل الأخلاقي العميق... بل عن عدم قدرتها أيضا على إحراز أهدافها المعلنة ...لم نحقق شيئا من هذه الحرب، سوى مئات القبور، وفيها لصغار، وآلاف المعوقين، والدمار الكثير وضعضعة صورة إسرائيل. كان أول هدف للحرب وقف إطلاق صواريخ القسام؛ وهذا الإطلاق لم ينقطع حتى يومها الأخير، وبحسب تقديرات الجهات الأمنية بقي عند حماس أكثر من 1000 صاروخ. لكن ميزان هذه الحرب من جهة إسرائيل لا يتلخص بعدم أي إنجاز فقط. فالحديث عن أبهظ ثمن جبي وسيجبى بعد. فقد سببت أعمال إسرائيل أضرارا بالغة بتأييد الرأي العام لنا. في الحقيقة أن هذا لا يترجم دائما للغة السياسية المباشرة لكن الأمواج الارتدادية ستأتي. فالعالم كله رأوا الصور. وقد زعزعت كل إنسان".
سؤال وجوابه: لماذا اجتمع اليهود وأهل فلسطين في مكان واحد ؟ ولماذا كانت هذه القضية كلها ؟ ما الحكمة من ذلك ؟
لقد شاءت حكمة الله عزوجل أن يجتمع أهل الإيمان وأهل الكفر على كوكب واحد وفي زمان واحد ، ولقد كان من الممكن أن يكون أهل الكفر على كوكب آخر ؛ أو في قارة أخرى ؛ أو في زمن آخر ؛ ولكن الله عزوجل شاء ذلك.
وطالما هناك فريقان فريق على الحق وآخر على الباطل فالنتيجة الطبيعية: لا بد أن يكون هناك صراع بين الحق والباطل ؛ هذا قدر الله عز وجل ومشيئته فينا ويجب أن نؤمن بذلك؛ وذلك لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى وطالما هناك صراع إذاً هناك قتال ؛ وآيات القتال محفوظة في القرآن والقرآن محفوظ إلى يوم القيامة ؛ إذاً الصراع والقتال مستمر إلى يوم القيامة وبالتالي لا بد من شهداء وقتلى وهدم وتخريب ؛ هذا هو الطريق وصدق رسول الله بقوله: حُفّت الجنة بالمكاره
خــتـــــــــامـــــــــــا:
أسأله سبحانه وتعالى القبول والتجاوز عن الزلات ومغفرة الذنوب؛ ورحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي ؛ ورب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه والحمد لله رب العالمين0
أهم المراجع:
التفسير الكبير/ فخر الدين الرازي – دار إحياء التراث العربي ؛ ط3
تفسير القرآن العظيم / اسماعيل بن كثير ؛ دار المعرفة بيروت ؛ ط1994
الجامع لأحكام القرآن / محمد القرطبي ؛ دار الكتب العلمية؛ 1993
تفسير الشعراوي / محمد متولي الشعراوي ؛ أخبار اليوم 1991
في ظلال القرآن / سيد قطب ؛ دار الشروق ؛ ط15 ؛ 1988
روح المعاني / محمود الألوسي ؛ دار الفكر 1994
الرحيق المختوم / صفي الرحمن المباركفوري ؛ دار الوفاء ؛ 1997
الجهاد والقتال في السياسة الشرعية / د. محمد خير هيكل ؛ دار البيارق ؛ ط2 – 1996
القدس قضية كل مسلم / د. يوسف القرضاوي ؛ مؤسسة الرسالة ؛
ط1 – 2001
والحمد لله رب العالمين
الرئيسية 
