يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني قدس سره :
« لأهل المجاهدة والمحاسبة وأولي العزم عشر خصال جربوها لأنفسهم ، فإذا أقاموها وأحكموها بإذن الله تعالى وصلوا إلى المنازل الشريفة :
أولها : أن لا يحلف العبد بالله عز وجل صادقا ًولا كاذباً عامداً ولا ساهياً ...
والثانية : أن يجتنب الكذب هازلاً وجاداً ...
والثالثة : أن يحذر أن يعد أحداً شيئاً يخلفه إياه وهو يقدر عليه إلا من عذر بين أو يقطع العدة البتة ، فإنه أقوى لأمره وأقصد لطريقه ، لأن الخلف من الكذب ، فإذا فعل ذلك فتح له باب السخاء ودرجة الحياء ، وأعطي مودة في الصادقين ، ورفعة عند الله جل ثناؤه .
والرابعة : يجتنب أن يلعن شيئاً من الخلق أو يؤذي ذرة فما فوقها ، لأنها من أخلاق الأبرار والصادقين ...
والخامسة : يجتنب أن يدعو على أحد من الخلق وإن ظلمه ، فلا يقطعه بلسانه ، ولا يكافئه بفعاله ويحتمل ذلك ... ولا يكافئه بقول ، ولا فعل ، فإن هذه الخصال ترفع صاحبها في الدرجات العلا ...
والسادسة : أن لا يقطع الشهادة على أحد من أهل القبلة ، بشرك ، ولا كفر ، ولا نفاق فإنه أقرب للرحمة وأعلى في الدرجة وهي تمام السنة ... فإنه باب شريف كريم على الله ، يورث العبد الرحمة للخلق أجمعين .
والسابعة : يجتنب النظر والهم إلى شيء من المعاصي ظاهراً وباطناً ، ويكف عنها جوارحه ...
والثامنة : يجتنب أن يجعل على أحد من الخلق منه مؤنة صغيرة ولا كبيرة ، بل يرفع مؤنته عن الخلق أجمعين مما احتاج إليه واستغنى عنه ، فإن ذلك تمام عزة العابدين ، وشرف المتقين ، وبه يقوى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويكون الخلق عنده أجمعون بمنـزلة واحدة في الحق سواء . فإذا كان كذلك نقله الله تعالى إلى الفناء واليقين والثقة
به … فإن هذا الباب : عز وجل المؤمنين ، وشرف المتقين . وهو أقرب باب إلى
الإخلاص .
والتاسعة : ينبغي له أن يقطع طمعه من الآدميين لا للطمع نفسه في شيء مما في
أيديهم ، فإنه العز الأكبر ، والغنى الخالص ، والملك العظيم ... وهو باب من أبواب الثقة بالله ، وهو باب من أبواب الزهد ، وبه ينال الورع ، ويكمل نسكه ، وهو من علامة المنقطعين إلى الله تبارك وتعالى .
الخصلة العاشرة : التواضع ، لأنه بذلك يشيد مجد درجته ، وتعلو منـزلته ، ويستكمل العز والرفعة عند الله تعالى وعند الخلق ، ويقدر على ما يريد من أمر الدنيا والآخرة . وهذه الخصلة أصل الطاعات كلها وفرعها وكمالها ، وبها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله تعالى في الضراء والسراء : وهي كمال التقوى .
والتواضع : هو أن لا يلقى العبد أحداً من الناس إلا رأى له الفضل عليه ويقول : عسى أن يكون عند الله خيراً مني وأرفع درجة .
فإن كان صغيراً قال : هذا لم يعص الله وأنا قد عصيت فلا أشك أنه خير مني .
وإن كان كبيراً قال : هذا عبد الله قبلي .
وإن كان عالماً قال : هذا أعطي ما لم أبلغ ونال ما لم أنل ...
وإن كان جاهلاً قال : هذا عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم ولا أدري بم يختم له وبم يختم لي .
وإن كان كافراً قال : لا أدري عسى يسلم هذا فيختم له بخير العمل ، وعسى أكفر أنا فيختم لي بشر العمل . وهذا باب الشفقة والوجل » .
________________________________________
المصدر : الشيخ عبد القادر الكيلاني - الغنية لطالبي طريق الحق – ج 2 ص602 – 604 .