اختلف أهل اللغة في قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) أهو الحولقة أم الحوقلة؟
(فالحولقة) متفق عليها، و(الحوقلة) مختلف فيها.
قال ابن دحية في التنوير [كما في المزهر 1/483] ( والحولقة ([1]) قول لا حول ولا قوة إلا بالله ولا تقل حوقل بتقديم القاف؛ فإن الحوقلة مشية الشيخ الضعيف )
وقال أبو علي القالي في أماليه [2/300] ( والعرب تقول حولق الرجل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله، أنشدنا محمد بن قاسم:
فداكِ من الأقوام كل مُبَخَّل .......... يُحولِقُ إما سَالَه العرفَ سائلُ
أي يقول لا حول ولا قوة إلا بالله )
قلت: حجة ابن دحية بادي الرأي فيها نظر؛ إذ قد يقول قائل: لا مانع من أن يكون للحوقلة معنيان، ولكن أهل اللغة يفعلون ذلك إتماما للحجة ([2]) ويتركون التنصيص على الحجة المعروفة وهي ( أن ذلك غير مسموع، ولا يقتضيه القياس على الألفاظ الواردة في باب النحت فمن ثم لم يصح ).
وفي بعض نسخ المزهر ([3]) ( وترتيب الحروف في قول لا حول ولا قوة إلا بالله يقتضي التكلم هكذا إذا تغير عن الأصل كما في بسملة وحمدلة وسبحلة ).
وقال الجوهري: ( يقال قد أكثرتَ من الحوقلة إذا أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ).
وفي النهاية لابن الأثير: (وفي الحديث ذكر الحولقة، هي لفظة مبنية من لا حول ولا قوة إلا بالله كالبسملة ... إلخ، هكذا ذكرها الجوهري بتقديم اللام على القاف وغيره يقول الحوقلة بتقديم القاف على اللام) .
قلت: ظاهر هذا أن مخالفي الجوهري ينكرون (حولقة)، ولست أعلم قائلا بذلك.
وقال ابن خالويه [في إعراب ثلاثين سورة / 11] ( ومن ذلك قولهم ... قد حولق إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله )
وفي إصلاح المنطق لابن السكيت وتهذيبه للتبريزي [ كما في المزهر 1/483 ] ( يقال قد أكثر من الحولقة والحوقلة إذا أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله )
ومن العجيب أن يفوت صاحبَ القاموس ذكرُ هذه الكلمة فإنه قال في [ح و ق ل]: ( الحوقلة الحولقة وسائر معانيها في ح ق ل ) ولم يذكرها بالمعنى المشهور في (ح ق ل) واستدركها عليه الزبيدي ونقل نحو ما في اللسان
وقال أحمد بن عبيد [كما في أمالي القالي 2/300] ( حولق الرجل وحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله )
وفي المصباح [ب س م ل] ([4]) ( بسمل بسملة ... ومثله حولق وحوقل إذا قال .... لا حول ولا قوة إلا بالله )
وفي اللسان : ( وهلَّل الرجل ... وهو مثل قولهم حولق الرجل وحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله. قال أبو العباس: الحولقة والبسملة والسبحلة والهيللة ... هذه الأربعة أحرفٌ ([5]) جاءت هكذا )
وفي المنجد: (الحوقلة اطلبها في ح و ل)
قلت: الصواب (الحولقة)، وهو تصحيف منهم؛ لأن المذكور في (ح و ل) هو الحولقة، ولأن هذه عادة المنجد أن يلحق الرباعي بالمادة الثلاثية كما قال مؤلفوه في المقدمة [ص هـ]
وفي الوسيط (حوقل حوقلة وحيقالا ... فلان قال لا حول ولا قوة إلا بالله)
قلت: إيراد المعجمات لـ(حوقل) في [ح ق ل] يفيد أنها ليست بمنحوتة، وهذا ما يدل عليه فعل الوسيط حيث أفرد لـ(حولق) مادة ثم قال: إنها منحوتة، ولم يقل ذلك في [ح ق ل].
ويحتمل أن يقال إن الأصل في النحت هو (حولق) كما في نظائرها من الكلم ثم قلبت مثلها مثل كثير من الكلم المقلوب، ويدل عليه حكاية كثير من العلماء لها وتصويبها مثل ابن السكيت والتبريزي وأحمد بن عبيد وأبي علي القالي وابن الأثير والأزهري.
ويحتمل أن يقال: إن العرب عاملتها في النحت معاملة خاصة؛ لأن باب النحت لا قواعد له ولا قياس عليه كما قال أبو حيان [كما في المزهر].
والله تعالى أعلم.
_____________________
([1]) كذا بالأصل، وأظن الصواب (حوقلة) على ما يفيده تعليله بعدُ.
([2]) وهكذا طريقة أهل اللغة في الاستدلال غالبا؛ فلا يذكرون ذلك لوضوحه عندهم.
([3]) كما في الحاشية في الموضع السابق.
([4]) ذكر الفيومي في مادة (ب س م ل) كثيرا من الكلمات المنحوتة ولم يذكرها في مظانها، وهذا من عيوب المعجمات، أعني ذكر الكلمات في غير مظنتها.
([5]) ضبطها محققو اللسان بالكسر، وهو بعيد؛ فقد نقل السيوطي في الهمع إجماع النحاة على منعه.