قال الله تعالى: {{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ
يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}}
[النمل : 18]
أيها الأحبة:- أنظروا إلى حكمة هذه النملة في كلماتها القليلات كم حوت من بليغ المعاني التي يعجز عن صياغتها البلغاء،فسبحان الذي انطقها بهن،ثم أنظروا إلى عظيم فقهها الذي أهلها أن تؤدي هذه الحقوق الكثيرة بيسير الكلمات.
بل أنظروا إلى جميل إيمانها نعم (( إيمانها ))، (( ومعنى قولنا بإيمانها أنها قالت للنمل : { لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } فقولها :
( وهم لا يشعرون ) – هذه -- (( التفاتة مؤمن ))
أي من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا )).
(من كلام القرطبي في تفسير هذه الآية)
إذاً أيها العاقل أقرأ وتدبر واتعظ بل اقتدي بفقه هذه النملة الحكيمة الناصحة حين قالت:
{ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
[[ فَجُمِعَ في هذه اللفظة أحد عشر جنساً من الكلام،
نادت،و كنت،و نبهت،و سمت،و أمرت،و قضت،و حذرت،و خصت،و عمت،و أشارت،و عذرت؛
فالنداء ((يَا))،
والكناية ((أَيُّ))،
والتنبيه ((هَا))،
والتسمية ((النَّمْلُ))،
والأمر ((ادْخُلُوا))،
والقضاء ((مَسَاكِنَكُمْ))،
والتحذير ((لَا يَحْطِمَنَّكُمْ))،
والتخصيص ((سُلَيْمَانُ))،
والتعميم ((وَجُنُودُهُ))،
والإشارة ((وَهُمْ))،
والعذر ((لَا يَشْعُرُونَ)).
-أنظروا إلىأدبها حين قالت{ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }فقد أشفقتعلىقومهاوتأدبتمعنبياللهسليمانبقولهاهذا-.
فأدَّت خمسة حقوق:
حق الله،و حق رسوله،و حقها،و حق رعيتها،و حق جنود سليمان.
فحقّ الله أنها استرعيت على النمل فقامت بحقهم،
وحق سليمان أنها نبهته على النمل،
وحقها إسقاطها حق الله عن الرعية في نصحهم،
وحق الرعية بنصحها لهم ليدخلوا مساكنهم،
وحق
الجنود إعلامها إياهم وجميع الخلق أن من استرعاه رعيّة فوجب عليه حفظها
والذبّ عنها؛وهو داخل في الخبر المشهور: (( كُلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن
رعيته )) ]].(البرهان للزركشي\603)
ثم أنظروا
إلى هذه النملة الفقيهة الناصحة المحبة كيف أدخلت السرور والفرح إلى قلب
هذا النبي الكريم عليه السلام حين سمع كلامها، فتنبه وتذكر عظيم فضل الله
عليه وإنعامه، وتسخير هذا الملك له،لهذا سُر واتعظ، واعتبره نصحا له؛ فدعا
ربه أن يعينه على شكر هذه النعم،فكان من الشاكرين.
{فَتَبَسَّمَ
ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ }(النمل:19)
(( إن تبسم سليمان سرورراً بهذه الكلمة منها
ولذلك
أكد التبسم بقوله : ( ضاحكا ) إذ قد يكون التبسم من غير ضحك ولا رضا ألا
تراهم يقولون تبسم تبسم الغضبان وتبسم تبسم المستهزئين وتبسم الضحك
إنما هو عن سرور ولا يُسر نبي بأمر دنيا وإنما سُر بما كان من أمر ألآخرة والدين )).
(من كلام القرطبي في تفسير هذه الآية)
(( قال ابن عطية : والنمل حيوان فطن قوي شمام جدا يدخر ويتخذ القرى ويشق
الحب بقطعتين لئلا ينبت ويشق الكزرة بأربع قطع لأنها تنبت إذا قسمت شقتين
ويأكل في عامه نصف ما جمع ويستبقي سائره عُدْةَ
قال ابن العربي : وهذه خواص العلوم عندنا وقد أدركتها النمل بخلق الله ذلك لها )).
(من كلام القرطبي في تفسير هذه الآية)