أنين في الأقصى
شعر : طارق دغيم
جراحُ الصّوتِ في الأقصى تنادي
وقد حبست على الصّوتِ الأيادي
وقد أمست جراحُ الصدرِ تفضي
لحشرجةٍ كآهاتِ الصّوادي
فما أدري أصوتٌ أم أنينٌ
تميزُ حروفَهُ لغةُ الفؤادِ
فواعجباً ويا أسفاً لحالٍ
نبيتُ بها على قهرِ الأعادي
تموتُ النّاسُ في الأقصى وإنّا
حريراً قد صنعنا للوسادِ
وملء جفونِنا نمنا وقلنا
كفى الأقصى معزٌّ للعبادِ
فرمنا باطلاً في قولِ حقٍّ
كمن يأتي المساجدَ للفسادِ
وعدنا كالضّياعِ بدارِ جبنٍ
فرأسٌ خانعٌ والقرنُ بادي
وصيحاتٌ تمزّقُ كلَّ حرٍّ
أراها كالحكايا للرّقادِ
وأضواءٌ تغالُ بدارِ قومي
فما زادوا سوى حبِّ السّوادِ
وللثّاراتِ نادى كلُّ خيلٍ
لسانُ الحالِ حيَّ على الجهادِ
وثاراتُ الرّجال نسوا شذاها
فقد ألِفو الأريجَ على كسادِ
ومن يرضَ الحياةَ بأرضِ ذُلٍّ
يعشْ كالميْت عن حبِّ النّوادي
ويرضاها حياةً تحتَ وِطءٍ
خبيثَ النّفس لا يرقى لوادي
فنخوتُهم سرت يوماً إليهِم
وهذا اليومَ أمست في الجيادِ
وأمسَوا كالشّياه ولو تراهم
حسبت شياهَهم قممَ الرّشادِ
ألا يا مدّعي الإسلامَ مهلاً
ألستُم خيرَ حكّامِ البلادِ
مكانٌُ باركَ الرّحمنُ فيهِ
ومسرى سيّدي خيرِ العبادِ
يُهانُ أمامَ أعيُنِكم مراراً
وأعيُنكم كأمثالِ الجمادِ
وتختنقُ المآذنُ من هوانٍ
يدبُّ على جباهِ ذوي الرمادِ
وتدمع مقلتي طفلٍ رضيعٍ
لطيمٍ ليس تقربُه الأيادي
يقولُ الدّمع حينَ يهيمُ قهراً
أيا أبتاهُ أينَ تراهُ زادي
وأينَ تراهُ يا أمّاهُ ثديي
وأين الحُضنُ يحنو في سُهادي
وأينَ محمّدٌ ما عادَ فينا
رأيتُ أباهُ عادَ وليسَ غادي
رأيتُ أباهُ قد رسَمتْ دماءٌ
على أثوابِه حقدَ الأعادي
رأيتُ أباه يبكي في انتحابٍ
ويبكي الدّمعُ يدعو للحدادِ
أيا أبتاهُ ما معنى حدادٍ
وما معنى القفول على انفرادِ
لقد ماتَ الفتى والدّهرُ سجّى
شهيداً ليسَ يفقهُ بالجهادِ
شهيداً درعُه جسدٌ رقيقٌ
هزيلٌ ينطوي مثلَ العمادِ
رصاصٌ تلوَ حقدٍ قد رماهُ
بحضنِ أبيهِ.. يا خجلَ العتادِ
علاه براءةٌ مُزجَت دماءً
ستأتي شاهداً يومَ التّنادي
فهل سأموت يا أبتاهُ إذ ما
صغيراً كنتُ في حكمِ الحيادي
أبي أمّي ألا تريانِ حالي
ضعيفٌ مقعدٌ باكٍ وصادي
أجرّبُ بسمةً والقلبُ يشجو
فتقحم نابَها دنيا الشّدادِ
وأنظرُ في عيونِ النّاسِ علّي
أرى بينَ الظلام هدىً لهادي
أيا أبتاهُ أين صلاح يأتي
وأينَ الدّينُ من هذي البلادِ
وأين تراه معتصمٌ وعمروٌ
يبتّانِ التّخاملَ باجتهادِ
وطارقُ أينَ غابَ وأينَ موسى
وأينَ بنو نُصيرٍ أو زيادِ
وأينَ الشّامُ ليس تديرُ طرفاً
وما كانت تُعرَّف بالهوادِ
ولمْ يمنٌ تبينُ فلا بيانٌ
وأين جزيرةُ العربِ البوادي
وأينَ عراقُنا بل أين مصرٌ
وأينَ المغربُ العربيُّ شادي
وقد كانوا إذا نادوا عدوّاً
يخرُّ بغيرِ مسٍّ كالجرادِ
ولو داعي الجهادِ أتى إليهم
فإنّ الأرضَ تشكو لاحتشادِ
دموعُ القدسِ ما يومٌ تراءت
سوى كانت حياةً في الرّمادِ
وهبّت كلُّ نفسٍ في بِدارٍ
لتعلنَها ضروساً في اشتدادِ
تنادي الويلُ يا من جاءَ قدساً
وإنّ السّيفَ قبل الويلِ حادي
فقدسُ اليومِ لم تبدلْ ولكن
تقلّبتِ النّفوسُ على الفؤادِ
ترى الأقصى بساعاتِ احتضارٍ
وديداناً سرت تحتَ المهادِ
لتنخرَ في جذورٍ ليس فيها
سوى رمقٍ يُولّعُ بازديادِ
يهودٌ تحت أرض القدسِ تجري
وماذا بعدَ هذا في الفسادِ
وأنّاتٌ تفتِّتُ كلَّ قلبٍ
وبئس الصمُّ عن صوتِ المنادي
وإنّا في خلافِ الذكرِ جهراً
وما هوَ حُكمُ تقبيلِ الأيادي؟
همُ زرعوا الظلامَ بكلِّ أرضٍ
وجاء اليومُ ذا وقتُ الحصادِ
بغوا وبِغاؤهم بلغ المباغي
وإنّ النقصَ يُسبقُ بالسّدادِ
وإنّا لو غفا منّا كثيرٌ
فنصرُ الحقِّ ليسَ بذي العِدادِ
خيوطُ الفجرِ سوفَ تبينُ يوماً
وإن ليلٌ تطاولَ في العنادِ
بأيدينا نخيطُ الفجرَ ثوباً
سنلبسُهُ ولو بعد اضطهادِ
ونشرقُ في سماء الحقِّ شمساً
تبدِّدُ كلَّ ليلٍ أو حدادِ
حشونا من جراحِ الهون ناراً
وأيدينا تَغزَّلُ بالزِّنادِ
وجئنا نستعينُ بعزِّ ربٍّ
نُعانُ به على كسبِ المرادِ
فيا جبّارُ لا تتركْ عدوّاً
سوى كثمودَ تمحقهم وعادِ
المعتز بالله : طارق حسين دغيم
طرابلس الشام 7/11/2009م