يُروى أنه في يوم من الأيام استدعى ملك أربعة من وزرائه وطلب منهم أمر غريب !!
طلب من كل وزير أن يأخذ كيساً ويذهب إلى بستان القصر ويملأ هذا الكيس قدر ما يستطيع من مختلف طيبات الثمار والزروع.
كما طلب منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة وأن لا يُسندوها إلى أحد آخر.
تعجب الوزراء من طلب الملك ولكن أخذ كل واحد منهم حقيبته وانطلق إلى البستان.
فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يطبق أوامر الملك حرفياً وأن يرضيه قدر طاقته ، فأخذ يجمع من كل الثمرات ومن أفضل وأجود المحصول ، وكان يتخيَّر الطيب والجيد من الثمار حتى ملأ الحقيبة عن آخرها.
وأما
الوزير الثاني فقد كان يقول في نفسه أن الملك لن يتهم كثيراً بتفحص الثمار
وإن فعل ووجد نقص أو تقصير فسيعفو عنه ، فقام بجمع الثمار ولكن بكسل
وإهمال ، يجمع قليلاً ويسترخي كثيراً ، يجمع فقط .. لا يتهم ما الطيب وما
الفاسد حتى ملأ حقيبته بالثمار كيف ما اتفق.
أما
الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك يسوف يهتم بمحتوى الحقيبة أصلا ، فملأها
بأي شيء ، ومن كل ما يقابله من ما هو نافع وما هو ضار وفاسد من ثمار
وحشائش وأعشاب وأوراق الأشجار وحجارة وغيرها.
أما
الوزير الرابع فلم يتهم أساساً بما طلبه الملك بل حالما خرج من عنده ذهب
إلى داره وجلس مع أهله وأولاده وانشغل بأعماله ومشاريعه وكأن شيئاً لم يكن
قائلاً في نفسه : "من الذي يهتم بمثل هذه الأوامر ؟ وما الفائدة من إرهاق
أنفسنا في مثل هذا الهراء ؟ أليس في الدنيا أشياء أهم من مثل هذه الأوامر
التي تعقد حياة الناس وترهقهم في ما لا طائل منه" ؟
وفي اليوم التالي أمر الملك أن يُؤتَى بالوزراء الأربعة مع حقائبهم التي جمعوها.
فلما
اجتمع الوزراء بالملك أمر الملك الجنود بأن يأخذوا الوزراء الأربعة
ويسجنوهم في سجن بعيد كل منهم في مكان مختلف لا يصل إليهم فيه أحد ، كما
أمر أن يُمنَع عنهم الأكل والشراب ، ويوضع مع كل منهم فقط حقيبته التي
جمعها ، وذلك لمدة شهر واحد.
وتم تنفيذ ما طلبه الملك ووضع كل في سجن منفرد هو وحقيبته فقط.
فأما
الوزير الأول فظل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها ويشرب من عصائرها حتى
انقضى الشهر ومازال عنده بعض الثمار ، ومع ذلك تمنى لو كان قد جمع ثماراً
أفضل وأجود من هذه ليكون أسعد حالاً.
وأما
الوزير الثاني فقد عاش هذا الشهر في ضيق وجوع شديد فقد كان ما يصلح من
الثمار التي جمعها قليل كما أن الفاسد من تلك الثمار كان يؤذيه برائحته
العفنة وشكله القبيح ، وتمنى كثيراً لو أنه اهتم بجمع الجيد من الثمار
الذي كان ينفعه في مثل هذا الموقف.
أما
الوزير الثالث فقد كان خلال الشهر يأكل من ما جمعه من ثمار وحشائش وأوراق
وعاش أيامه في جفاف وقحط شديد وأصبح من يراه كأنه يره هيكلاً من العظام لا
لحم فيه ، كما أصبح لا يقوى على القيام بل يحبو كما الأطفال ، وهو يعض
أصابع الندم عن إهماله لطاعة ملكه وقت أن كان قادراً ، ويقول في نفسه لو
يعود بي الزمان لكنت قضيت عمري كله في جمع أطايب الثمار.
وأما
الوزير الرابع فلا عجب أنه لم يكمل أياماً قليلة حتى مات جوعاً وعطشاً
وندماً على عدم الاهتمام بما قاله الملك وعدم العمل به ، ولسان حاله في
أوقات احتضاره يقول : "أعلم الآن أن ما كان يأمرني به الملك فيه منفعتي
ونجاتي .. ولو أرجع مرة أخرى فسأعمل بكل ما يقوله له ملكي حرفاً بحرف ..
ولكن لا ينفع الآن الندم".
انتهت القصة ولم تنتهي العبرة
فلعل هؤلاء الوزراء يمثلون أنواع الناس في الدنيا
فمن أي نوع نحن ؟
أو بالأحرى .. من أي نوع نريد أن نكون ؟
نحن الآن في بستان الدنيا.
فهل نريد أن نجمع من أطايب الثمار ونزيدها قدر المستطاع ؟
أم .. أم .. أم ؟؟؟
فنحن إن آجلا أو عاجلا سيؤمر أن نسجن في ذلك السجن الضيق المظلم كل بمفرده ليس معنا سوى ما نجمعه هنا في هذه الدنيا.
فإن كان طيباً فهنيئاً لنا.
وإن كان مخلط فالله نسأل أن يرحمنا ويغفر لنا.
ونعوذ بالله أن يكون غير ذلك.
لنقف الآن مع أنفسنا ونقرر هل سنجتهد في أن نجمع من الثمار طيبها ؟