الأدوات التى يمتلكها الأديب ويفتقدها المفكر والفيلسوف
المفكر والفيلسوف أدواتهما أدوات البحث العلمى والتقصى والتفكير العميق المعتمد على الاستقراء والاستدلال والاستنباط والاستنتاج ، أو السؤال المباشر لمجموعة من البشر متفرقة ومتغيرة ومختلفة من عدد من النواحى بما يسمونه الاستفتاء على تلك المجموعة من الأسئلة التى منها يخلص إلى نتيجة لحد كبير صحيحة فيؤسس ويبنى عليها منتجه الجديد أو صياغة نظرية ما . أو المواجهة مع الشخوص أنفسهم والأسئلة المباشرة معهم بما يسمونه الاستقصاء ، مع الحرص الشديد على رصد سلوكياتهم وردود أفعالهم بما يسمى الاستنتاج ، لحالة ما أو موضوع ما ، ثم استعمال التفكير وتفعيل العقل إلى مداه لربط ما تحصل عليه من معلومات يربط فيما بينها ليخرج بمنتوج جديد ، بغرض الوصول إلى نظرية علمية تبلغ درجة عليا من الكمال تهم باعا كبيرا من البشر ، بحيث يسير على هداها الآخرين ، وهى تخص - اكبر ما تخص - المثقفون والباحثون والطلاب وأصحاب القرار ، بما تقوى أركان العلم واتخاذ القرارات السليمة عند أصحاب القرار الذين مفترض يؤمنون بالعلم والبحث ونتائجه التى تساهم فى نهضة الأوطان ورسم الخطط السليمة لها . ولا تعتمد على المشاعر ولا العواطف ولا الغرائز ولا الشهوات ، بل على الأسلوب العلمى الجاف المزين فقط بجماليات اللغة قدر الأمكان ، وليس من الضرورى أن يعرض منتجه على عقل قلبه لينال موافقته ومباركته وهديه ، مع أنه من المفروض الحتمى أن يعرض عليه حتى يستبين حسن ما انتج من سوئه حرامه من حلاله ، نفعه من ضاره ؛ لأن عقل القلب هو الحاكم الحكم الحكيم .
بينما الأديب فأدواته كثيرة ، تعتمد على التشويق والإثارة والإمتاع والغموض ، بإثارة المشاعر وزغزغة العواطف ، واستنهاض الأحاسيس ، وتفجير الغرائز ، ومداعبة الشهوات ، ليس بالشكل المباشر الفج ؛ لأنه غير فنى ولا راق ، بل العمل على إثارة الخوف والشفقة والعطف والمشاركة الوجدانية ، بخلق شخصية نحبها ونتعاطف معها ونرتبط بها ، من خلال مجموعة من الأحداث أو الحوادث التى من شأنها تؤدى الأغراض السابقة بحيث تربطنا به من جراء نبل الهدف وعظيم المقصد التى يجاهد من اجلهم الشخصية الرئيسة بما يجعلنا نجله ونحبه ونخاف عليه.
وأدوات الربط بإثارة الخوف واستنهاضه بداخلنا تجاه هذه الشخصية التى نحبها وصرنا مرتبطين بها ، فما تواجهه من فواجع تهدد حياتها بالقتل أو الموت أو التكدير من مصارعين أقوياء ، من شأنها أن تخلق الخوف لدينا تجاهه ، فتجعلنا مثارين بعاطفة الخوف لما يواجهه من مصائب ربما تحل عليه فى أى لحظة من اللحظات ، ويعمل المؤلف على ذلك حتى ينقلنا إلى إثارة عاطفة أخرى من شأنها تربطنا بما يجرى .
عاطفة الشفقة ، هى الرقة فى القلب تجاه شخص اخطأ خطأ غير مقصود ولا متعمد وكان يقصد الخير ، فتحقق على غير ما يريد ، فيجنى بسببه الآلام والمعاناة التى لا يستحقها فى حقيقة الأمر ، وهى ما تولد الشفقة فى قلوبنا نحوه.
- المشاركة الوجدانية تتولد تجاه شخصية بأدوات ضعيفة تواجه وتصارع عتاة بأدوات قوية ، مما تجعل من الحتمى خسرانه ، فنشاركه بأننا نضيف قوتنا إلى قوته حتى ينتصر ويتفوق وينجح ، ولكننا قوة حقيقية كيف نضيفها لقوة متخيلة تفصل بيننا وبينها مسافات ، يتأتى ذلك من خلال الدعاء والتضرع لله من اجله ، وبذلك نمده بأدوات القوة لأننا نؤمن أن القوة العليا الله سيستجيب لتضرعنا وينصف ويؤازر البطل ، حتى ينتصر ويتفوق على مصارعيه الأقوياء ، ولابد للمؤلف أن يفعل ذلك ؛ لأنه يتوقع منا المشاركة الوجدانية تجاه شخصيته التى خلقها تعاطفنا معها وربطنا بها ، فيحس بمساعدتنا له ويعمل على تحقيقها ، فلا يخيب رجائنا ولا يصدمنا فيما نشتهيه ونتوقعه ، فليس من المفروض – طوال الوقت – أن يبنى الأحداث عكس ما نتوقعه ، بل يعمل لذكائنا حسابا ، ويستطيع أن يحافظ على التشويق والغموض أيضا بإدخالنا إلى أحداث أخرى مستجدة لم نكن نتوقعها ، ولكنها تبنى على الاحتمال أو الحتمية وإلا فقدت مصداقيتها وإقناعها ومعقوليتها .