الحمد لله رب العالمين00والصلاة والسلا م على من لا نبي بعده
أمَّا بعد :
سأل أحد الإخوة في ملتقى أهل الحديث قائلاً :" هل تثبت قصة جلد عمرو بن العاص بمصر لابن من أبناء عمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع و>لك لشربه الخمر وكان عمرو يعزر بحلق الرأس إلى جانب الجلد فلم يفعل معه فأرسل إليه عمر وعاتبه ............القصة
هل من مجيب وبارك الله في الجميع "0
فكتبتُ جواباً على هذا السؤال ما يلي :
القصة هذا أخرجها الإمام عبد الرزاق في مصنفه:(9/232 - 233)0"من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : شرب أخي - عبد الرحمن بن عمر - وشرب أبو سروعة عقبة بن الحارث ، وهما بمصر في خلافة عمر فسكرا فلمَّا أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر ، فقالا : طهرنا فإنَّا سكرنا من شراب شربناه فقال عبد الله : فذكر لي أخي أنَّه سكر ، فقلت له ادخل الدار أطهرك ، ولم أشعر أنَّهما أتيا عمرواً ، فأخبرني أنَّه أخبر الأمير بذلك فدخل الدار ، فقال عبد الله : لا يحلق القوم على رؤوس عامة النّاس ، ادخل الدار احلقك - وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود - فدخل الدار ، فقال عبد الله : فحلقت أخي بيدي ثم جلدهم عمرو ، فسمع بذلك عمر ، فكتب إلى عمرو أن أبعث إليَّ بعبد الرحمن على قتب ، ففعل ذلك فلمَّا قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه - أي ضرب عمر رضي الله عنه ليس من باب الحد بل من باب التأديب - ثم أرسله ، فلبث شهراً صحيحاً ثمَّ أصابه قدره فمات ، فيحسب عامة النَّاس إنَّما مات من جلد عمر ، ولم يمت من جلد عمر0"
قلت : وهذه القصة صحيحة الإسناد ، قال الحافظ في الإصابة:(5/ 44)0"وقد أخرج عبد الرزاق القصة مطولة بالسند المذكور وهو صحيح0"
وقد ذكر القصة ابن عبد البر في الاستيعاب:(2/ 842)0وابن الأثير في أسد الغابة:(3/ 493)0والحافظ في الأصابة:(5/ 44)0والصفدي في الوافي بالوفيات:(18/ 122)0والنووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات:(1/ 300)0وغيرهم ، وقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه الموضوعات:
(3/ 375)0ابن ابن سعد ذكر هذه القصة في الطبقات الكبرى ، ولم أقف عليه عند ابن سعد0
أقول : هذه هي القصة ، وهكذا وردت في كتب أهل العلم الثقات ، ونراها قد دخلت مطبخ الكذابين من القصاص ، فخرجت بزيادات مستبشعة مستقبحة ، منها :
أولاً : إنَّ عبد الرحمن بن عمر هذا ، مات تحت سياط أبيه ، فهذا من الكذب الصريح، والإفتراء البين ، فقد ذكر أخوه - وهو شاهد عيان على هذه القصة - أنَّه مات بقدر الله ، لا من تأثير السياط0لذلك قال الصفدي في:(18/ 121)0والإمام النووي:(1/ 300)0"وأمَّا أهل العراق فيقولون أنَّه مات تحت سياط عمر وهذا غلط "0
وقد ذكر ابن الجوزي السبب الذي على أساسه شرب ابن عمر الخمر ، فقال في موضوعاته:(3/ 275)0"وليس بعجيب أن يكون شرب النبيذ متأولاً ، فسكر عن غير اختيار ، وإنَّما لمَّا قدم على عمر ضربه ضرب تأديب لا ضرب حد ، ومرض بعد ذلك ومات "0
ثانياً : أنَّ ابن عمر هذا بعد أن شرب الخمر وسكر ، زنا بأمرأة وحملت منه ، وهذا أيضاً من الكذب والأفتراء الممجوج ، الذي ليس له دليل إلاَّ أهواء أهل الضلال والفسوق الطاعنين و المشاغبين على الصحابة الكرام0
فقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ، هذا الروايات والقصص المكذوبة على هؤلاء الأبرار تحت باب:(3/ 269 - 275)0المسبشع من الموضوع على الصحابة 0
ثم قال :" لمَّا فرغتُ من كتابة جمهور المستبشع من الاحاديث الموضوعات من المرفوعات رأيتُ أشياء قد وضعت على الصحابة فذكرتُ منها المستهول القبيح الذي لا وجه له في الصحة ولا يحتمل مثله "0
ثم ذكر هذه القصص وكرَّ عليها بالنقد والتجريح فرحمة الله عليه وعلى كل من يدافع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم0وكان مما قاله وهو ينقد إحدى هذه الطرق التي جاءت بهذه الأخبار القبيحة:(3/ 274)0" وضعه الجهال ليكون سبباً في تبكية العوام والنساء، وأتوا بكل قبيح ونسبوا إلى عمر ما لا يليق به ، ونسبوا الصحابة إلى ما لا يليق بهم "0
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري