بين الأذى والضرر ....
قال تعالى : {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} سورة آل عمران
فما الفرق بين الضرر والأذى .. أليس الأذى ضررا والضرر أذى ؟
لا بد ان نعلم أن القاعدة فيما يسمى بالمترادف في
القرآن أوكلام الحكماء عامة هي انهما إذا اجتمعا افترقا .. يعني إذا جمع
بينهما في موضع واحد فالأصل افتراق المعنى ولو بشيء دقيق وملمح يخفى على
غير المدقق .
وقد عبر أبو السعود عن المعنى هنا بقوله : "استثناءٌ مفرّغٌ من المصدر
العام أي لن يضروكم أبداً ضرراً ما إلا ضررَ أذىً لا يبالى به من طعنٍ
وتهديدٍ لا أثر له" تفسير أبي السعود كتاب الكتروني (ج 1 / ص 437) , تفسير السيوطي قريب منه قال " "{ لَن
يَضُرُّوكُمْ } أي اليهود يا معشر المسلمين بشيء { إِلآَّ أَذًى } باللسان
من سب ووعيد" تفسير الجلالين - (ج 1 / ص 403)
ويلمس ابن القيم الفرق بين الأذى والضرر بقوله : "
إذ المعنى لن ينالوا منكم إلا أذى وأما الضرر فإنهم لن ينالوه منكم وإن
تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا فنفى لحوق ضرر كيدهم بهم مع انهم لا
يسلمون من أذى يلحقهم بكيدهم ولو أنه بالإرهاب والكلام وإلجائهم إلى
محاربتهم وما ينالهم بها من الأذى والتعب ولكن ليس ذلك بضارهم ففرق بين
الأذى والضرر" بدائع الفوائد 3/597 ....
ومن هنا يوجه ابن عادل المفسر الحلبي الاستثناء في الآية على وجهين .. يقول : " تفسير اللباب لابن عادل - (ج 4 / ص 277)
أحدهما : أنه متصل ، وهو استثناء مفرَّغ من المصدر العام ، كأنه قيل : لن
يضروكم ضرراً ألبتة إلا ضرر أذى لا يبالى به - من كلمة سوء ونحوها - إمَّا
بالطعن في محمد وعيسى - عليهما السلام - وَإمَّا بإظهار كلمة الكفر -
كقولهم : عيسى ابنُ الله ، وعُزَيْر ابن الله ، وإن الله ثالث ثلاثة ،
وإما بتحريف نصوص التوراة والإنجيل ، وإما بتخويف ضعفةِ المسلمين .
الثاني : أنه منقطع ، أي : لن يضروكم بقتال وغَلَبَة ، لكن بكلمة أذًى ونحوها .
قال بعض العلماء : وهذا بعيد ، لأن الوجوه المذكورة توجب وقوع الغَمِّ في
قلوب المسلمين ، والغم ضرر . فالتقدير : لا يضروكم إلا الضرر الذي هو
الأذى ، فهو استثناء صحيح ، والمعنى : لا يضروكم إلا ضَرَراً يَسِيراً" .