وإن ساعة الاحتضار لهي أصعب ساعة يمر بها الإنسان وفيها يفارق هذه الدنيا
وفيها تنزل عليه ملائكة، إما بيض الوجوه أو سود الوجوه كل على حسب عمله.
فاحذر من أن يفضحك ميراثك يوم موتك..
من صفَا صُفِي له، ومن كدِر كُدِر عليه، ومن كان على الخير في حياته لقي الخير عند مماته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على شيء بعثه الله عليه.
ويقول عليه الصلاة والسلام: إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله، قيل: كيف
يستعمله؟.. قال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عليه من حوله.
يقول ابن قيم الجوزية: إن العبد إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه
ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى
والإنابة إليه والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه
لذكره وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه فينحبس القلب على اللسان..
ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه وهذا
كله من أثر الذنوب والمعاصي كمن له جند يدفعون عنه الأعداء فأهمل جنده
وضيعهم وأضعفهم وقطع أخبارهم ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يتفرغوا
له وسعهم في الدفع عنه بغير قوة. هذا وثم أمر أخوف من ذلك فربما تعذر عليه
النطق بالشهادة.
وكثير من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم، قل: لا إله إلا الله فقال: آه آه لا أستطيع أن أقولها..
وقيل لآخر ذلك فقال: ما ينفعني ما أقول ولم أدع معصية إلا ركبتها، ثم قضى ولم يقلها،
ومثال آخر لذلك فقال: وما يغني عني ما أعرف إني صليت لله صلاة.. ولم يقلها،
وقيل لآخر فقال: كلما أردت أن أقولها.. لساني يمْسك فيها!
أما من حضر موت بعض الشحاذين فقد سمعه يقول: لله فلس، لله فلس.. حتى قضى وهذه آخر كلماته!
أما من حضر وفاة بعض التجار عندما جعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو
يقول: هذه القطعة رخيصة وذا مشتري جيد ووو… حتى كانت آخر كلماته!!
فسبحان الله كم شاهد الناس من هذه العبر، والذي خفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم..
فأين التائبين، وأين أصحاب القلوب الرقيقة؟..
هل تبصرنا في حالنا؟
ما هي أكثر الكلمات التي نقولها في حياتنا، وماذا سنقول عند ساعة احتضارنا؟!
هل استعدينا لهذه الساعة
هل رطبنا ألسنتنا بذكر الله؟..
هل تركنا الألفاظ البذيئة والسب والشتم التي اعتاد عليها من أغوته الشياطين وزينت له هذه الكلمات؟.
فما بال من اعتادت ألسنتهم على الغناء..
بأي حال سيقابلون الله؟ ماذا سيرددون من كلمات؟
استيقظوا يا أخوة من هذا النوم العميق..
إلى متى هذا الغفلة..
إلى متى هذا التساهل في أمور الدين.. إلى متى.. وإلى متى؟
إن الموت قريب:
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب *** متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالا ونرجو نتاجها *** وباب الردى مما نؤمل أقرب
أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة
وأن يقبضنا إليه ونحن نتلفظ
بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
إلى كل من أطلق بصره بلا حدود وسمع الأغاني بلا قيود إن الموت لآت فما منه هروب..