الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد
فإنَّ الله تعالى أكرم
عباده المؤمنين بأنواع عديدة من الإكرام ، وجليل الإنعام ، ومن أعظم نعم الله تعالى
على عباده المؤمنين ـ بعد أن هداهم ، وجعلهم من أمة أكرم الخلق محمد صلى الله تعالى
عليه وسلم ـ أن شرَّع لهم من العبادات ما يصلح بها أحوالهم وأمورهم ، ودينهم
ودنياهم
ومن أعظم تلك العبادات : الركن الخامس من أركان الإسلام ، ألا وهو
الحج
فالحج عبادة عظيمة ، عبادة يفوح منها عبق الإيمان ، ويستخلص المؤمن منها
العبرة من الدنيا ، والعبر الكثيرة من خلق آدم ، ومن خلقه هو ، كما يستخلص الغايات
الجليلة التي من أجلها خلق الله تعالى هذا الكون ، وأرسل الرسل ، وشرَّع الشرائع ،
وقضى بالجزاء والحساب والجنة والنار
فالحج يلخص التاريخ البشري كله ، ويلخص هذه
الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها
* في العبادات الأخرى إشارات يستشعر المؤمن
الفوائد منها استشعاراً، أما الحج ففيه عبارات واضحة جلية بينة يرى من خلالها عظم
قدر الله تعالى ، ومدى فضل الله تعالى عليه ، ويلمس أهمية اللجوء إلى الله تعالى ،
وتفريغ القلب لله ، وأنََّّ ما يقوم به العبد من شعائر إنما فائدته تعود إليه:
لكماله ،وصحة كيانه وإصلاح حاله وباله
* والعبادات الأخرى بعضها متعلق بالزمان
وبعضها بالمكان : كالصوم والصلاة
وبعضها متعلق بالشخص كالإيمان
والبعض الآخر
متعلق بالمال : وهي الزكاة
أما الحج فهي عبادة تستغرق الزمان والمكان والشخص
والمال: كلها تجتمع لتؤثر تأثيراً عميقاً فاعلاً، يبقى أثره طوال حياة المؤمن ،
بخلاف غالب العبادات الأخرى فهي وقتية آنية ، وتأثيرها وقتي آني
فلذلك تكررت على
مدار اليوم أو السنة كالصلاة والصوم ......
أما الحج لم يتكرر فرضاًُ
وهذا
يدل على عظم الفوائد المحتناة من عبادة الحج العظيمة
* وفي الحج أماكن: كالبيت
الحرام والكعبة ، ومنى ، وعرفات ، ومزدلفة ، فضلاً عن الميقات ، والحرم ، ومقام
إبراهيم ، وبئر زمزم
وفي الحج أزمنة : كأشهر الحج ، والعشر الأوائل من ذي
الحجة ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق
وفي الحج شعائر
وعبادات وأفعال : كالتلبية ، والإحرام ، والطواف ، والسعي ، والوقوف بعرفة ،
والمبيت بمزدلفة ومنى ، والرجم، والذبح ، والحلق
فتدبر تلك الأماكن ، ومعرفة
الحكمة من المجيئ إليها في الأوقات المحددة بالصفات المحددة على الوجه المحدد ،
فيفهم المؤمن المقاصد والغايات من هذه الشعائر ، حتى يستفيد منها ، فيعود من حجه ـ
كما أراد الله تعالى له ـ كامل الإيمان ، صحيح الكيان ، طاهر الجنان
* وفي الحج
يتعرف المؤمن ـ بالوقائع والأحداث والتجربة ـ أنَّ لذة اللقاء مع الله تعالى لا
تدانيها لذة ، وأنَّ كل الدنيا ـ بكل ما فيها من مباهج وزينة ـ لا تساوي لحظة يتجلى
الله تعالى فيها على العبد ، فكل الدنيا تصغر في عين المؤمن أمام جلال الله تعالى
ولقائه ، واستحضار القلب لعظمته
فمن ذاق عرف ، ومن عرف أدلج ، ومن أدلج وصل
نقلته من كتاب " كيف يكون الحج المبرور ـ الوسائل والفوائد" للشيخ فواز أحمد
زمرلي